إعداد :
د. عبدالله بن محمد العمري
كنت قد كتبت أطروحة علمية مرتبطة بدراسة المجتمع من خلال الرواية، وأثناء إنجازها كانت فكرة تحول الرواية نفسها من حيث القضايا التي تناولتها موضوع يحضر بقوة في كل تفاصيل اشتغالي على العمل البحثي، وقد وجدت أن هناك دراستين قيمتين تناولتا هذا الموضوع للدكتور عالي القرشي –رحمه الله- والدكتور حسن النعمي -بالإضافة للجهد الكبير والمميز الذي قام به الباحث خالد اليوسف في توثيق الرواية السعودية- ورغم أهمية هاتين الدراستين وما يحملانه من قيمة عالية إلا أن الموضوع ما زال يحتمل مزيدا من الدراسة كما أن عامل الزمن بين كتابة الدراستان والوقت الحالي أوجد مساحة أخرى يمكن استثمارها في مقالاتٍ مختزلة أو دراسات بحثية مطولة ومعمقة، ولعل هذا المقال يكون محفزًا لي ولغيري لتناول هذا الموضوع بشكلٍ أوسع من خلال علم اجتماع الأدب وعلم الاجتماع الثقافي.
بدأت الرواية السعودية ظهورها الأول من خلال رواية “التوأمان” لعبدالقدوس الأنصاري، والتي يرى البعض أنها كتبت قبل توحيد المملكة العربية السعودية تحت هذا المسمى لذلك لا تعتبر أول رواية سعودية، ولكن الموضوعية في هذا الجانب تميل إلى ترجيح كفة أنها الأولى فعليا فكاتبها سعودي بعد التوحيد، وأصبحت الهوية السعودية هي الهوية الجامعة للمكون الذي توحد تحت مظلتها، والأمر يكون مقبولًا في عدم اعتبارها رواية سعودية لو أن الكاتب لم يدرك العهد السعودي.
توالت بعد هذه الرواية –أي رواية “التوأمان”- عدة روايات، وأخذ الإنتاج الروائي وتيرة تصاعدية من حيث الكم، أما من حيث الكيف فقد ارتفع وتحسن المستوى الفني تحسنًا ملحوظًا، ولكنه عاد للتذبذب بعد ذلك وهذا حسب آراء عدد من النقاد، ولكن النقد الاجتماعي ينظر بمنظور مختلف إلى مستوى الرواية وقيمتها الثقافية والاجتماعية، فزوايا الرؤية تختلف والمستهدفات في الدراسات النقدية الاجتماعية لها معايير حكم مختلفة، وما يهمنا هنا هو طبيعة التحولات في المواضيع التي تناولتها الرواية، والتي يمكن أن نوردها تحت أربع مراحل كان لكل مرحلة طابعها ومواضيعها الثقافية والاجتماعية، وسنعرض حصرًا مجدولًا للمرحلتين الأولى والثانية أما المرحلتان اللاحقتان فلا يمكن حصرها في هذا المقال، وسيكون العرض على النحو التالي:
- مرحلة النشأة (من 1930 إلى 1959م):
ينظر النقاد إلى هذه المرحلة على أنها مرحلة ضعف فني في الرواية السعودية، ومن وجهة نظر النقد الاجتماعي ليس الأمر كذلك، فهذه الروايات تمثل طبيعة المرحلة وشكلها العام، وطبيعة الأدب المتداول، فهي روايات تحمل أهمية وقيمة ثقافية واجتماعية عالية، وتعتبر الامتداد الطبيعي في سياقها الزمني والمكاني وبنائها للحكاية، وعرضها الضمني لآليات التفكير وطبيعة الحكم على الأمور، والتوجه الوعضي الذي كان أحد أهم أهداف الحكاية العربية، ويمكن عرض بعض أهم المواضيع المتداولة في روايات هذه المرحلة في المحاور التالية:
- علاقة الشرق بالغرب، والتحذير من الانسياق خلف الأفكار القادمة من بيئة أجنبية ومختلفة في طبيعتها ودينها، وجاء هذا في رواية “التوأمان” لعبدالقدوس الأنصاري.
- أهمية الاستفادة من الآخر أي كان هذا الآخر، وهذا التوجه يخالف التوجه في الفقرة السابقة، وجاء هذا الموضوع في رواية فكرة لأحمد السباعي، والبعث لمحمد علي مغربي.
روايات مرحلة النشأة
تسلسل | الرواية | الكاتب | السنة |
1 | التوأمان | عبدالقدوس الأنصاري | 1930م |
2 | فتاة البسفور | صالح سلام | 1350هـ |
3 | الانتقام الطبعي | محمد نور عبدالله الجوهري | 1935م |
4 | فكرة | أحمد السباعي | 1948م |
5 | البعث | محمد علي مغربي | 1948م |
6 | الزوجة والصديق | محمد عمر توفيق | 1950م |
7 | سمراء الحجازية | عبدالسلام هاشم حافظ | 1955م |
8 | ابتسام | محمود عيسى المشهدي | 1957م |
- مرحلة التأسيس (من 1959 إلى 1980م):
اعتبر النقاد أن أول عمل “فني” روائي صدر في هذه المرحلة، وتمثل في رواية “ثمن التضحية” لحامد دمنهوري. كما أن أول رواية تاريخية صدرت في هذه المرحلة وهي رواية “أمير الحب” لمحمد زارع عقيل، وكذلك ظهرت أول رواية تتحدث عن العلاقة المأزومة بين القرية والمدينة، والتي جاءت في رواية إبراهيم الناصر الحميدان “ثقب في رداء الليل”، وفي هذه المرحلة دخلت المرأة في الميدان الروائي بعمل لسميرة خاشقجي والذي نُشر باسم بنت الجزيرة وتحت عنوان: “ودعت آمالي”.
وعلى هذا جاءت أهم المواضيع المتداولة في روايات هذه المرحلة متمثلة في المحاور التالية:
- العلاقة المأزومة بين القرية والمدينة.
- الاتكاء على التاريخ في المواضيع الروائية.
- معاناة المرأة من وجهة نظر الروائي أو الروائية.
- الحديث عن المهن الأسرية المتوارثة، وبداية انحسار توارث هذه المهن.
- مرحلة التحولات الكبرى (من 1980 إلى 2000م):
شهدت هذه المرحلة قفزة في عدد الروايات من (43) عملًا على مدى خمسين عامًا ماضية إلى أن وصلت (170) عملًا خلال عشرين عامًا، وفي هذه الفترة بدأ يظهر تأثير الطفرة على مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية بشكلٍ واسع مما انطبع على مواضيع العمل الروائي، ويمكن إيراد بعض مواضيع هذه المرحلة، على النحو التالي:
- تغير وضع الأسرة المادي، واستقدام العاملة المنزلية والسائق، وتأثيرهما على طبيعة التزامات الأب والأم داخل الأسرة.
- زيادة الهجرة من القرية إلى المدينة، وطبيعة الحياة التي أدت لحالة من الاغتراب عند الانتقال وتلقي صدمة اختلاف حياة المدينة عن حياة القرية.
- انفتاح الرواية على مواضيع لم تكن تتطرق لها من قبل والخروج النسبي من طابعها المحلي المحافظ، وتعتبر رواية غازي القصيبي “شقة الحرية” ورواية تركي الحمد “العدامة” نموذجان على هذا التوجه.
- الانعكاسات المرتبطة بحادثة محاولة احتلال الحرم المكي.
- المواضيع المرتبطة باحتلال النظام العراقي لدولة الكويت، وما تفرع عنها.
- وجهات النظر المتعددة المرتبط بدخول البث الفضائي.
روايات مرحلة التأسيس
تسلسل | الرواية | الكاتب | السنة |
1 | ثمن التضحية | حامد دمنهوري | 1959م |
2 | ثقب في رداء الليل | إبراهيم الناصر الحميدان | 1961م |
3 | ودعت آمالي | سميرة خاشقجي (بنت الجزيرة) | 1961م |
4 | الأفندي | محمد سعيد دفتر دار | 1961م |
5 | الحاجة فلحة | محمد سعيد دفتر دار | 1961م |
6 | ذكريات دامعة | سميرة خاشقجي (بنت الجزيرة) | 1962م |
7 | ومرت الأيام | حامد دمنهوري | 1963م |
8 | بريق عينيك | سميرة خاشقجي (بنت الجزيرة) | 1963م |
9 | أمير الحب | محمد زارع عقيل | 1965م |
10 | وغربت الشمس | محمد عبدالله مليباري | 1966م |
11 | سفينة الموتى | إبراهيم الناصر الحميدان | 1969م |
12 | ثمن الكفاح | عبدالمحسن البابطين | 1969م |
13 | ابن الصحراء | عبدالرزاق المالكي | 1390ه |
14 | قطرات من الدموع | سميرة خاشقجي (بنت الجزيرة) | 1971م |
15 | وراء الضباب | سميرة خاشقجي (بنت الجزيرة) | 1971م |
16 | البراءة المفقودة | هند باغفار | 1972م |
17 | مأتم الورد | سميرة خاشقجي (بنت الجزيرة) | 1973م |
18 | غداً سيكون الخميس | هدى الرشيد | 1976م |
19 | الشياطين الحمر | غالب حمزة أبو الفرج | 1976م |
20 | عذراء المنفى | إبراهيم الناصر الحميدان | 1978 |
21 | اليد السفلي | محمد عبده يماني | 1979م |
22 | مشرد بلا خطيئة | محمد عبده يماني | 1979م |
*له رواية “ليلة في الظلام” صدرت عام 1960م. لم يوردها أيًا من المراجع، وأشار إليها المدخلي، والقشعمي في مقالتين صحفيتين لكلٍ منهما.
تابع روايات مرحلة التأسيس
وهي الروايات التي أشار إليها الأديب محمد المزيني في مقالٍ له على صفحات صحيفة الجزيرة ولم يشر إليها اليوسف في معجم الإبداع الأدبي (الرواية).
تسلسل | الرواية | الكاتب | السنة |
1 | الأشجار واغتيال مرزوق | عبدالرحمن منيف | 1973م |
2 | القصاص | عبدالله جمعان | 1977م |
3 | بسمة من بحيرات الدموع | عائشة زاهر أحمد عام | 1979م |
*أوردها النعمي بتاريخ صدور عام 1979م.
تابع روايات مرحلة التأسيس
وهي التي أشارت إليها الدكتورة مريم سالمي في بحثها عن الرواية السعودية النسائية.
تسلسل | الرواية | الكاتب | السنة |
1 | صحوة الآلام | نزيهة كتبي | 1973م |
2 | النهر يبهر | صفية أحمد بغدادي | 1976م |
- مرحلة الانطلاق (من 2000 إلى الوقت الحالي):
في هذه المرحلة دخلت الرواية على اعتبارها منتجًا أدبيًا تجاريًا، وسلعة رائجة في العرف التجاري، وقفز عدد الروايات إلى أرقام لم تسبق من قبل، وتنوعت المواضيع مما يصعب معه حصرها، ولكن يمكن إيراد بعضها على النحو التالي:
- استمرت أكثر المواضيع السابقة لهذه المرحلة، والمشار إليها ضمن المواضيع الروائية المتناولة في الروايات السعودية في المراحل السابقة، ولكن بشكلٍ أكثر تنوع من حيث التناول السردي.
- دخلت المواضيع المرتبط بالتقنية من خلال المنتديات الافتراضية والمنبثقة عن النقاشات الدائرة فيها في صلب العمل الروائي ، والتي شكلت حالة من التفاعل والحراك الثقافي غير المسبوق عبر معرفات رمزية أو بالأسماء الصريحة، وفي مختلف الميادين المعرفية والأدبية والثقافية وغيرها.
وبالمجمل يمكن القول إن التحول في المواضيع التي تناولتها الرواية السعودية تحول في درجة التناول وطبيعته من جهة، وتحول من حيث الانتقال من درجة عالية من التحفظ في التطرق إلى بعض المواضيع إلى تخفف نسبي من هذا التحفظ، كما أن التحول في المواضيع الروائية –الثيمات- الروائية يتسق مع المدخلات الثقافية المتتابعة سواء على مستوى الرؤى الفكرية أو المدخلات التقنية والتكنولوجية، والقفازات الكبيرة في تقديم الخدمات والتنظيم المؤسسي والتطور الحضري، ويتسق كذلك مع مستوى الطموح والرغبات المتنامية داخل المجتمع في السير نحو حياة اجتماعية أكثر استيعابًا لمتغيرات العصر ومتطلبات الحياة المتنامية والتي بدأت بالتأثر بمجتمعات أخرى بحكم زيادة الاتصال الثقافي المباشر أو عبر تقنية الوسائط المتعددة ومنصات التواصل الاجتماعي، ويمكن القول إن العمل الروائي يتفاعل مع التحولات الثقافية في البيئة الاجتماعية السعودية ويعكسها من خلال ما تتناوله الرواية السعودية من قضايا ومواضيع مختلفة، والأمر الجدير بالاهتمام في ظل هذا الحراك والتحول؛ هو ثبات الهوية الثقافية العربية والإسلامية للمجتمع السعودي، وهذا الأمر يتضح جلياً في محتوى النسبة الأكبر من الروايات في جميع المراحل المذكورة رغم التحولات الثقافية المتوالية التي يمكن رصدها من خلال العمل الروائي السعودي، وهذا دليل على متانة هذه الهوية ورسوخ مبادئها ووقوفها على أرضية صلبة ثقافية واجتماعية وتاريخية.
*باحث في علم الاجتماع الأدبي؛ الثقافي؛ الأسري.
عضو الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية.
a-m-dull@hotmail.com
………
الإحالات في المقال:
- سالمي، مريم، الخطاب النسوي الروائي السعودي (قراءة في هوية المرأة وبناء ذاتها)، مجلة القارىء للدراسات الأدبية والنقدية واللغوية. (المجلد05 العدد02 -2022م. صفحة372).
- القرشي، عالي، تحولات الرواية في المملكة العربية السعودية، إصدارات النادي الأدبي في منطقة الباحة، المملكة العربية السعودية، ط7، الانتشار العربي، بيروت. لبنان، 2013م.
- القشعمي، محمد عبدالرزاق، محمد زارع عقيل (1330- 1408هـ/ 1910- 1988م)، صحيفة الجزيرة (السبت 15 فبراير 2020م).
- المدخلي، علي، “محمد زارع” رائد القصة في الجنوب وكاتب أول رواية تاريخية، جريدة الرياض (الخميس 2 جمادى الآخرة 1440هـ. 7 نوفمبر 2019م).
- المزيني، محمد، الرواية السعودية تاريخها وتطورها، صحيفة الجزيرة (الخميس 25 رمضان 1432هـ. 25- 8- 2011م).
- النعمي، حسن، الرواية السعودية واقعها وتحولاتها، وكالة الوزارة للشؤن الثقافية، وزارة الثقافة والإعلام، المملكة العربية السعودية. 2009م.
- اليوسف، خالد بن أحمد، معجم الإبداع الأدبي في المملكة العربية السعودية (الرواية)، النادي الأدبي بالرياض0 2010م.
- تعقيب د. رحاب المذن.