إعداد:
د. محمد بن مشبب الاحمري
استشاري الخدمة الاجتماعية
ممارس في المجال الصحي
عند النظر الى قضية تلامس الممارسة المهنية بشكل عام في كافة التخصصات المهنية والممارسة المهنية في تخصص الخدمة الاجتماعية بشكل خاص تأتي من جانبين:
أولاً: جانب أكاديمي: فهو يقوم بأدوار متعددة، منها التخطيط لكل مراحل التخصص، وتعليم وتدريب وتخريج الطلاب والطالبات وما يقوم به من منتديات وملتقيات ودورات علمية وأبحاث ونشر علمي وفتح برامج الدراسات العليا ودعم أكاديمي وغير ذلك.
ثانياً: جانب الممارسة: يعتبر بمثابة المحك الرئيسي لأي مهنة، فالميدان الذي تنطلق منه الممارسة يعتبر تغذية راجعة للتخصص.
وللممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية متطلبات، هذه المتطلبات متعددة ومتداخلة في كافة مجالات الممارسة المتنوعة.
يجب على الممارسين في كافة المؤسسات باختلاف مجالاتها الاهتمام بها وتحديثها وتطويرها وتجويدها واخراجها من النمط التقليدي إلى النمط الذي يتناسب مع متغيرات العصر وسرعة نمو المهن.
ويمكن عرض أهم المتطلبات للممارسة المهنية على النحو التالي:
- المتطلبات الادارية: –التخطيط الاداري مهم للتنظيم والتنسيق والتوجيه والرقابة والتنبؤ وتحديد الأولويات والشمولية والتقييم والتقويم والمتابعة والجودة، كما أن لأي مؤسسة أهدافها الواضحة وحتى تتحقق تلك الأهداف يجب وضع خطة بعيدة ا لمدى وقصيرة المدى. -بيئة العمل: كلما كانت مهيئة بشكل مناسب للمجال الذي تمارس فيه المهنة كان له الأثر على الممارسين فالإداري الناجح هو من يسعى إلى تحقيق بيئة جاذبة وذلك من خلال ما يجب أن يتصف به من سمات شخصية وقدرات معرفية وخبرات عملية تؤثر إيجاباً بشكل مباشر وغير مباشر على زملائه ودافعيتهم للعمل والإنجاز والتطوير. -استخدام التقنية: اليوم أصبحنا ننعم بكثير من البرامج والتطبيقات ووسائل تواصل أسرع تسهم في حل كثير من المشكلات التنظيمية والإدارية، لذا من الضروري التدرب والتعلم على تطويع هذه التقنية لصالح الممارسة بما لا يتعارض مع أخلاقيات المهنة.
- المتطلبات الفنية: حتى تكون ممارسة التخصص سليمة ولها الأثر الإيجابي على المستفيد يجب أن يكون لدى الممارس مجموعة من المتطلبات الفنية اللازم توافرها عند تعامله مع المستفيدين في مجال تخصصه، وليس فقط توافرها بل يجب أن يسعى إلى التدرب عليها ومراجعتها والبحث عن كل ما هو جديد فيها ومنها ما يلي: متطلبات معرفية: مصطلح المتطلبات المعرفية عبارة عن بناء متداخل مع العديد من فروع المعرفة ويعتمد بشكل واسع على المعلومات الاجتماعية والسلوكية وأنها أساس التدخل المهني ويتضمن نظريات ونماذج الممارسة المهنية، وتختلف المعرفة عن المعلومات في أنها حصيلة المزج بين المعلومات والخبرة والمدركات الحسية، كما يختلف رصيد المعرفة لدى الشخص الواحد من وقت إلى آخر بحصوله على معلومات وخبرات جديدة، وتعرف المتطلبات المعرفية للخدمة الاجتماعية بأنها: التجميع التراكمي للمعلومات والنتائج العلمية، والقيم، والمهارات، والمناهج التي استخدمت، وتقييم ما تم التوصل إليه من نتائج ومعلومات وخبرات ومعارف، وهي مستقاة من الأبحاث والدراسات الخاصة بالأخصائيين الاجتماعيين، والبناء النظري والدراسات العلمية للظواهر ذات الأهمية للخدمة الاجتماعية ومن الخبرات المدونة والممارسة المباشرة للأخصائيين الاجتماعيين، ومستقاة أيضا من المعلومات المتاحة بين فروع العلوم الأخرى. -المتطلبات المهارية: المهارة هي القدرة عل عمل شيء ما بإتقان، والشخص الماهر هو من يملك المهارة أو يظهرها، والاختلاف في المهارة بين المهنيين وغير المهنيين يعتمد على ما يسمى بالبناء النظري ولذلك فإن المهارة عند المهنيين تعتمد على البناء النظري الذي يدور حول المطالب التعليمية والتدريب المطلوب، والمهارة في الخدمة الاجتماعية هي قدرة الأخصائي الاجتماعي على تطبيق المعرفة المتاحة في إدراك الموقف المعين واختيار الأساليب الفنية المناسبة للتعامل معه واستعداده على حسن استخدام المعرفة بفاعلية عند التنفيذ، وهناك مجموعة من المتطلبات المهارات المهنية التي يجب على الأخصائي الاجتماعي معرفتها واتقانها وليس المجال متاحًا لعرضها. -متطلبات التدريب: يعد التدريب عنصر أساسي وهام للممارس المهني حتى يصل للأهداف المنشودة فكلما زاد التدريب على التدخلات المهنية وفهم نظرية أو أسلوب علاجي وكيفية استخدامه والتي تتناسب مع الحالات حتى يصل به الأمر بالوصول إلى الانتقائية النظرية، ولا يتوقف التدريب على الحصول على دورة تدريبية أو برنامج تدريبي أو شهادة علمية أو الوصول إلى عُمر معين، إنما هو مستمر ومتنوع لضمان نتائج مهنية وتدخلات مبنية على أسس علمية، ويجب على المسؤولين في أقسام الخدمة الاجتماعية أن يعطوا التدريب أهمية بالغة ووضع خطط دوريه لتنفيذ برامج تدريبية متنوعة.
- الميثاق الأخلاقي: يعتبر الميثاق الأخلاقي لمهنة الخدمة الاجتماعية بمثابة القانون أو التشريع المسير لعمل الأخصائيين الاجتماعيين، وقد نشأ هذا الميثاق نتيجة الخبرات المتتالية للممارسين المهنين في تعاملهم مع العملاء، فوضعت هذا الخبرات على شكل أحكام أخلاقية على درجة عالية من التجريد والموضوعية تحقيقاً لمصلحة العملاء، واعترافاً بما يحمله الأخصائيين الاجتماعيين والمؤسسات الأكاديمية والروابط المهنية، وتبرز أهمية وجود ميثاق أخلاقي لمهنة الخدمة الاجتماعية من خلال عدة فوائد يحققها الميثاق الأخلاقي للأخصائيين تتلخص في عدة نقاط منها أنه يساعد في مواجهة بعض القضايا الأخلاقية التي قد تظهر عند التعامل مع العملاء، وكذلك يلزم ويذكر الأخصائيين الاجتماعيين بتقديم أفضل خدماتهم، كما أنه يساعد على تحويل الجانب النظري للمهنة لجانب عملي بتطبيق النظرية وفق مهارات وأخلاقيات ومبادئ عند الممارسة المهنية، ويحدد الحقوق والواجبات بين العملاء والأخصائيين الاجتماعيين وبالتالي يمكن تطبيق المحاسبية المهنية وتقدير درجة التدخل المهني، كما أنه يحمي العملاء والأخصائيين الاجتماعيين من تبعات العلاقة المهنية بينهم، كما أن وجود ميثاق أخلاقي يقوي الروابط بين الاخصائيين الاجتماعيين ويوحد هويتهم ويساعد على الاعتراف الداخلي والخارجي بالمهنة، ووجود ميثاق أخلاقي للخدمة الاجتماعية يهتم بالممارسة المهنية في المجتمع السعودي يشمل كافة مجالات الممارسة تتبناه جمعية متخصصة بالجانب الاجتماعي، يسهم في تحقيق كل الفوائد المشار إليها أعلاه.
- تراخيص الممارسة المهنية: هي آلية لتقنين الممارسة المهنية في حقل الخدمة الاجتماعية تهدف في أساسها إلى رفع مستوى الأخصائيين الاجتماعيين والمهنة، وتحقق بالتالي ممارسة مهنية أكثر فاعلية، كتب في هذا الموضوع الأستاذ الدكتور سامي الدامغ دعى من خلاله إلى وجوب توفر مجموعة من الضوابط منها أن للترخيص الذي يحصل عليه الممارس له وقت زمني محدد ثم يجدد بعد اجتياز الاختبار والتي يجب أن تكون محدثة بشكل سنوي، كما طالب بتعدد أوقات إجراء الامتحانات السنوية حتى يحصل الجميع على الفرص المتساوية، وبين أن لها مجموعة من الجوانب الإيجابية منها حماية العميل، ورفع مستوى الأخصائيين الاجتماعيين، وزيادة فاعلية الممارسة المهنية، ولعل ما نشاهده في المجال الصحي من ضرورة توفر ترخيص لكل ممارس صحي ومنهم الأخصائيين الاجتماعيين، يعطي دلالة على أهمية توفر تراخيص لكل الممارسين في مجالات الخدمة الاجتماعية وأن تكون تحت سقف جهة رسمية.
- الأبحاث والدراسات: لا زال ميدان الممارسة في كل مجالات التخصص يفتقر إلى الأبحاث والدراسات والتي لها الدور الإيجابي في رفع مستوى المهنة، إضافة إلى ذلك أن الأبحاث والدراسات التي تطبق في المؤسسات من قبل الطلاب والأكاديميين بعضها مع الأسف حبيسة المكتبات ولا يستفاد منها إلا بشكل نادر، وبالتالي يحتاج الوضع الحالي من الممارسين إلى الاهتمام بالأبحاث والدراسات والقيام بها كل في مجاله، لأنه كلما زادت وتنوعت كانت نتائجها أقرب إلي ملامسة الواقع وأصبح من الممكن التعديل والتطوير والتقييم والتقويم ونحو ذلك متاحاً وبشكل أكثر فعالية.
- المرجعية العلمية: من الملاحظ في مجالات الممارسة المهنية أن المراجع العلمية الموثقة من إنتاج الممارسين تكاد تندر، إضافة إلى أنه يوجد فيها مجموعة من الخبراء الممارسين والذي يمكن الاستفادة من خبراتهم وإخراج ما لديهم إلى مؤلفات علمية من واقع الممارسة، ومع هذا التنوع في الخبرات والتوجه إلي التخصصات الدقيقة يحتاج الأمر إلى عمل دورات متخصصة والتوسع في عددها واماكن إقامتها لنقل ما لديهم من خبرات للأجيال المتتابعة، وكذلك من المهم توثيقها حتى توحد الجهود وأن لا تكون مبعثرة، وتكون تحت مظلة جمعية علمية فيها لجان تضم هذه اللجان مجموعة من الخبراء والمحكمين تعتمد هذا الإنتاج العلمي.
- التكامل بين المؤسسات: لا شك أن كل ما سبق ذكره من وجهة نظر تحتاج إلى تظافر الجهود بين المؤسسات التعليمية والمؤسسات التي تُقدم من خلالها الممارسة في أي مجال من مجالات الخدمة الاجتماعية، وكذلك الجمعيات التي لها علاقة بالتخصص سواء التي تعني بالجانب الاكاديمي أو التي تعنى بجانب الممارسة، وهذا يعود بنا إلى أهمية الجانب الإداري كما ذكر في المتطلب رقم (١) بين هذه المؤسسات والجمعيات، ولا سيما في هذا العصر وسرعة التواصل التي تساعد على حل وتذليل الكثير من الصعوبات.
- التسويق: في هذا العصر أصبح التسويق أمر هام للغاية للوصول إلى الجمهور أو صناع القرار أو المستفيد من الخدمة، وأرى أنه أحد المحكات قديماً وحديثاً التي لازالت تعاني منه الخدمة الاجتماعية بشكل عام والممارسين بشكل خاص، فالتخصص بحاجة إلى تسويق عبر كافة وسائل التواصل الاجتماعي، فالمنجزات كثيرة على مستوى الممارسة المهنية بمختلف مجالاتها “الصحي والمدرسي والاجتماعي وغير ذلك” وما تتضمنه من عمل واجراءات في التدخل المهني، فلا يوجد جهة مسؤولة وثابته تهتم بالتسويق سوى جهود يشكر من قام عليها من المهتمين بالتخصص، ويمكن من خلال ما تم الإشارة الية في المتطلب رقم (١) استخدام التقنية والمتطلب رقم (٧) من التكامل بين المؤسسات أن تساهم في حل ذلك وتطويره ودعمه والذي يحقق الاستمرارية وإبراز الجهود.
كل هذه المتطلبات تساهم وتساعد في الوصول إلى ممارسة مهنية فعالة ومنشودة تحقق أهداف مهنة الخدمة الاجتماعية والتي بدورها تساهم في تطور وتنمية المجتمع السعودي.