وسائل التواصل والضبط الاجتماعي
إعداد: أشواق إبراهيم الجرباء
يسعى كل مجتمع نحو تكوين وسيلة للحفاظ على النظام الاجتماعي ومساندته، ومن ثم يضع كل مجتمع بعض الجزاءات، من عقوبات ومكافآت التي توقع على المنحرفين عن المعايير الاجتماعية التي يضعها المجتمع، كما يعد الضبط الاجتماعي ضرورة اجتماعية، لما له من تأثير على تماسك المجتمع.
لقد اهتم العديد من علماء الاجتماع بمفهوم الضبط الاجتماعي منها مفهوم عالم الاجتماع بريرلي ان الضبط الاجتماعي لفظ يطلق على العمليات المخططة والغير مخططة التي يمكن عن طريقها تعليم الأفراد أو اقناعهم او اجبارهم على التواؤم مع العادات وقيم الحياة السائدة في المجتمع، اما اوجبرن ونيمكوف فيعرفان الضبط الاجتماعي انه العمليات والوسائل التي تلجأ اليها الجماعة للتحكم في حالات الانحراف عن المعايير الاجتماعية، وان كل ما يعتبر وسيلة من وسائل تنظيم السلوك يعتبر في الوقت ذاته أداة من أدوات الضبط الاجتماعي(كتبخانه، 2014: 273).
وبذلك تعتبر الوظيفة الأساسية التي يؤديها الضبط الاجتماعي هي تحديد نطاق السلوك المقبول اجتماعياً، ففي كل جماعة هناك مقاييس مطلوبة يتبعها الفرد في إنجازه لأدواره الاجتماعية، كما ان هناك تصرفات لا يسمح بها المجتمع ولا يجيز لأفراده القيام بها أثناء تأديتهم لأدوارهم الاجتماعية.
اما فيما يخص ادوات الضبط الاجتماعي فهي تتمثل في الوسائل التي تلجأ اليها الجماعة للتحكم في حالات الانحراف، وقد أشار بن خلدون انها تتمثل في الدين والقانون والآداب والعرف والعادات والتقاليد والمثل العليا.
ان وسائل الضبط الاجتماعي تتغير بتغير المجتمع، ومنها الرسمي المتمثل في القوانين والأنظمة وغير الرسمي المتمثل في العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية، ففي المجتمع الريفي مثلاً تقع مسؤولية الضبط الاجتماعي على الاسرة في ضبط سلوك افرادها، وفي المجتمع الحضري فهي مسؤولية المؤسسات الحكومية متمثلة في الشرطة، واليوم نحن بصدد مجتمع جديد وهو المجتمع الرقمي الذي يتميز بآليات جديدة ومختلفة للضبط الاجتماعي.
تعددت الآراء بشأن دور شبكات التواصل الاجتماعي ما اذا كانت تمثل جوانب إيجابية كتعزيز التواصل بين افراد المجتمع، ونقل المعرفة وغيرها، او انها تسببت بظهور مظاهر انحرافيه وعزلة، الا ان العالم بأسره يشهد ثورة في مواقع التواصل الاجتماعي على مختلف الأصعدة مما جعلها تتصدر أهمية كبيرة في تشكيل الرأي العام والتواصل الاجتماعي وغيرها ومنها دورها في الضبط الاجتماعي، وذلك لسهولة استخدامها وسرعة انتشارها.
وبما ان أدوات الضبط الاجتماعي تتمثل في الوسائل التي تلجأ اليها الجماعة للتحكم في حالات الانحراف، فيمكننا اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي أحد أدوات الضبط الاجتماعي في العصر الحديث بحيث انها تمثل وسيلة يتحكم بها الافراد في حالات الانحراف عن المعايير الاجتماعية، وبالحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي على مستوى العالم العربي بشكل عام والسعودية بشكل خاص فتعد منصة تويتر الأكثر استخداماً كما تشير الاحصائيات بموقع statista لعام 2021 ان السعودية تحتل المرتبة الثامنة بقائمة الدول الأكثر استخداماً فى عدد الزيارات على منصة “تويتر،” بواقع 12 مليون و350 ألف مستخدم، وهي تعد من أعلى النسب عالمياً؛ لذا يمثل “تويتر” أحد أبرز وسائل الضبط الاجتماعي في المجتمع السعودي وذلك يتمثل عن طريق عدة أدوات منها الهاشتاق او الوسم الذي ينشأ عن طريق فرد او جماعة احتجاجاً على حالات انحراف معينة لاسيما حالات العنف الاسري، التحرش، السرقة، الغش التجاري وغيرها.. والتي يتفاعل معها قدر كبير من المغردين مما يجعل الهاشتاق أكثر فعالية وأوسع انتشار ويتصدر مراتب عالية على المستوى المحلي والعالمي، وقد لوحظ عدد كبير من هذه الحالات على مواقع التواصل الاجتماعي في المجتمع السعودي والذي تفاعل معها المجتمع بشكل كبير على تويتر، اما بالتعليق او إعادة تغريد والمشاركة في التصدي والاحتجاج لهذه الحالات وإبلاغ الجهات المختصة، ولم يقف الأمر عند ذلك بل انها نالت كذلك الاعتراف الرسمي من قبل الجهات الرسمية ممثلة بالنيابة العامة، ومركز بلاغات العنف الاسري الذي يرصد هذه الحالات بالاستمرار ويتفاعل معها على منصة “تويتر” مشيراً لها بعبارة “إشارة لما تم تداوله عبر وسائل الاجتماعي…تم رصد الحالة وجاري التنسيق مع الجهات المختصة” وغيرها من الحالات، ذلك ما يطلعنا على أهمية الدور الذي تلعبه وسائل التواصل في اشراك الرأي العام في عملية الضبط وتعزيز الشعور بالمسؤولية تجاه قضايا المجتمع وردع المنحرفين وبالتالي المساهمة في عملية الضبط الاجتماعي.
كما لبروز عدد من المتخصصين والناشطين في تويتر في بعض المجالات سواء الاجتماعية او القانونية والاقتصاد والطب والأمن السيبراني وغيرها دور في تعزيز الضبط الاجتماعي عبر نشر المحتوى التوعوي والتثقيفي حول مجالاتهم عن طريق التغريدات او “الثريد” الذي يلخصون فيه معلومات وتجارب حول موضوع معين ويتفاعل معه عدد كبير من المغردين كونه يمثل معلومات سهل الوصول لها ومن مصدر موثوق، او المشاركة في الحملات الاجتماعية المختلفة التي تهتم بتعزيز السلوكيات الإيجابية ورفع الوعي الاستهلاكي والحقوقي مثل حملة اعرف حقك، والوعي الصحي كالحملات التي تشجع على المشي والتبرع بالدم مثل حملة امشِ وتبرّع وغيرها في مختلف المجالات.
ودورها كذلك في الدفاع عن الفئات المهمشة والاهتمام بالبيئة، ومساعدة المحتاجين، ونقد السلوكيات السلبية كتشويه المرافق العامة، والممارسات الخاطئة كالإساءة للحيوانات، والاهتمام بالقضايا المجتمعية العامة، يعد مظهر من مظاهر الضبط الاجتماعي التي تحافظ على رسم الإطار المقبول اجتماعياً وتعزيز تماسك المجتمع.
كما لتواجد الحسابات الحكومية والأمنية الرسمية على تويتر وتجاوبها مع الاستفسارات على التغريدات او عن طريق الرسائل الخاصة وإتاحة رفع الشكاوى ونشر اخبارها وإحصاءاتها الرسمية على صفحتها دور كبير في عملية الضبط الاجتماعي حيث يتيح لأفراد المجتمع إمكانية الوصول للمعلومات بسهولة ونشرها والتفاعل معها.
وبذلك تكون وسائل التواصل الاجتماعي تمثل أحد أدوات الضبط الاجتماعي المعترف بها رسمياً، والتي من خلالها يتصدى المجتمع لحالات الانحراف، ويصبح الافراد مشاركين في عملية الضبط الاجتماعي الكترونياً مما يحافظ على تماسك المجتمع ويعزز المسؤولية لدى افراده بدورهم في التفاعل والتصدي لمثل هذه الحالات.
المراجع:
1-إسماعيل،بن السيد كتبخانه، أسس علم الاجتماع، خوارزم العلمية للنشر والتوزيع، 2014.
2- موقع: https://www.statista.com/