د/ نوره ناصر الحمودي
مر المجتمع السعودي بالعديد من التحولات السكانية منذ العام 1912م والذي تم فيه العمل على توطين البدو في الهجر، وبناء عليه بدأت وحدات البدو الرحل بالاستقرار، إضافة إلى الاستقرار المسبق لسكان المدن الحضرية مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة، وإذا كان سكان المناطق الحضرية يقدَّرون بمئات الآلاف تلك الفترة الزمنية فإن سكان الهجر قد بدأ عددهم يتنامى، وكما يقول أبو عليه: مع التوطين أصبحت الهجرة الواحدة تحتوي أكثر من عشرة آلاف نسمة، وهو عدد كبير في ذلك الوقت، وقد ساهم في زيادة معدل النمو السكاني عقب تلك الفترة، العديد من العوامل مثل إدخال التعليم في العام 1923م واكتشاف البترول في العام 1925م وتوحيد المملكة العربية السعودية 1932م، وما تبعه من استقرار اقتصادي وسياسي وأمني تلاه التخطيط التنموي مع أول خطة تنموية في العام 1970م.
وفي تلك الفترات الأولى من تاريخ المجتمع السعودي كانت معدلات الإنجاب المرتفعة سمة لمعظم المجتمعات البشرية، كما يقول الخريف، وذلك لمواجهة معدلات الوفيات المرتفعة خلال فترات التاريخ الماضية، وقد توالت الزيادة السكانية عقب تلك السنوات حيث نرى أن عدد السكان عام 1974م بلغ 7.009.466 نسمة، وفي العام 1992م بلغ العدد 16.948.388 نسمة بينما في العام 2004م بلغ 22.678.262 نسمة، بينما بلغ في العام 2010م 27.136.977 نسمة، أما في العام 2016م فقد بلغ 31.742.308نسمة، فيما وصل العدد في منتصف 2020 إلى 35.013.414 نسمة.
وإن نظرنا لمدينة الرياض كنموذج كذلك على هذا الارتفاع المتوالي في معدل النمو السكاني، نرى بأن عدد السكان في العام 1940م بلغ 47.000 نسمة، ثم ارتفع إلى 181.000 نسمة في العام 1960م؛ وذلك حسب تقديرات سكان الرياض تلك الفترة، وقد نتج هذا النمو عن زيادة العائدات البترولية كما تقول إسماعيل وارتفاع الدخول الفردية وازدياد اندفاع البدو وسكان المدن الصغيرة نحو العاصمة فقفز عدد السكان في سنة 1974م إلى 666.840 نسمة، أما حسب آخر مسح ديموغرافي صادر عن الهيئة العامة للإحصاء وذلك في العام 2016م فقد استمر نمو السكان في مدينة الرياض ليبلغ 8.002.100 نسمة.
ولو نظرنا لهذا النمو السكاني من وجهة النظر المالتسية التي تقول أن عدد السكان يزداد بمتوالية هندسية لاتفقنا معه وقلنا بأن عدد السكان قد تنامى فعلاً بشكل كبير منذ تأسيس المملكة وحتى الآن، ولكن مالتوس قال كذلك أن الموارد الغذائية تزداد بمتوالية حسابية وغاب عنه أن التقدم الصناعي التكنولوجي يمكن أن يساهم في ردم هذه الهوة التي تكون بين معدلي نمو عدد السكان والموارد الغذائية، فرغم أن المملكة تعد من الدول الفقيرة في مصادر المياه الصالحة للشرب إلا أن إجمالي كميات المياه المحلاة خلال العام 2020م بلغ 2.275.476.168 م3، هذا عدا بقية مصادر المياه الأخرى مثل المياه الجوفية والمياه السطحية، كما بلغ إنتاج المحاصيل من خضار وفواكه وحبوب 129.341.163 وذلك لنفس العام، أما مجموع أعداد الثروة الحيوانية من أبقار وضأن وابل وطيور فقد بلغ 28.538.377 حيوان، فيما بلغ الإنتاج المحلي للأسماك والربيان 165,630 طن للعام الماضي 2020م، وهذا يعني أن نظرية مالتوس لا تفسر معدلات النمو السكاني للفترة المعاصرة في المجتمع السعودي حيث افترض أن ازدياد عدد السكان سيصل للحظة لا تكفيه فيها الموارد الغذائية فتحصل المجاعات والأمراض والأوبئة التي تخفض هذا العدد، بينما ما حدث في المجتمع السعودي خاصة مع النمو الاقتصادي الذي أعقب اكتشاف البترول، أن تطور المجتمع وأمكنه الاستفادة من التكنولوجيا والتقنيات المتقدمة في توفير الماء والغذاء.
وإن أردنا تفسير معدل النمو السكاني في المجتمع السعودي من خلال نظرية التحول الديموغرافي والتي تتلخص فكرتها في أن التطور الاقتصادي والتغير الاجتماعي وما ينتج عنهما من تحسن في مستوى المعيشة وارتفاع في دخل الفرد سوف يؤدي إلى انخفاض الوفيات أولاً ثم الخصوبة لاحقاً، وبالتالي يقل معدل النمو السكاني، وذلك عقب فترة تمثلت في ارتفاع معدلي المواليد والوفيات، وبالنظر إلى ماضي المجتمع السعودي يمكن القول بأنه قد مر بفترة كان فيها عدد المواليد مرتفعاً حين كانت الأم تنجب عدد كبير من الأطفال يصل إلى عشر أطفال أو يزيد قد يتبقى منهم على قيد الحياة ثلاث أو أربع أو واحد فقط لا غير؛ وذلك لوجود العديد من الأمراض التي تفتك بصغار السن بالخصوص، وبذلك فمعدل المواليد كان مرتفعاً والوفيات كذلك، والآن مع ارتفاع معدل التحصينات ضد الأمراض المعدية إلى أكثر من 97% في تغطية المواليد، نرى بأن هناك فرصاً أكبر في بقاء الأطفال على قيد الحياة، وبهذا يمكن القول أن المجتمع السعودي مرَّ بمرحلة ازداد فيها عدد المواليد وانخفض عدد الوفيات حيث كانت معدلات الخصوبة مرتفعة، وبعد ذلك بفعل تداخل العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية وتعليم المرأة ودخولها مجال العمل وتأخر سن الزواج، والتحول المتزايد إلى نمط الحياة الحضرية بما تحمله من قيم بدأت تنتشر بين جيل الثمانينات، بدأ معدل الخصوبة في الانخفاض فبينما بلغ معدل الخصوبة الكلية في عام 1999م (4.53)، كان يصل إلى أكثر من 7 مواليد للمرأة في عام 1985م، وبهذا تصل نسبة الانخفاض إلى حوالي 53% خلال الفترة (1985-1999م) وهذا ينبأ أن المجتمع السعودي دخل المرحلة الثالثة التي تحدثت عنها نظرية تومسون للتحول الديموغرافي والذي ينخفض فيه معدل المواليد مع استمرار انخفاض معدل الوفيات.
أما نظرية كالدويل فتفسر هذا التغير في معدلات النمو السكاني عبر نظرية تدفق الثروة من الأبناء إلى الآباء على هيئة سلع وخدمات وتشمل المساعدات المادية والمعنوية وكذلك الرعاية عند الكبر، وبناء على هذا المفهوم فإن انخفاض الخصوبة لا يأتي إلا عندما تتقلص الأسرة الممتدة وتتراجع سلطة كبار السن، ومن ثم يتحول اتجاه الثروة من الآباء إلى الأبناء، وقد شهد المجتمع السعودي هذا الانخفاض في معدل الخصوبة، فمعدل النمو السكاني للسعوديين بلغ 2.02 في العام 2017م بينما كان في العام 2006م 2.32، هذا عدا ما أشرنا إليه سابقاً من انخفاض الخصوبة إلى حوالي 53% خلال الفترة (1985-1999م) فيما بلغ معدل المواليد الخام لكل 1000 نسمة (21) وهو أدنى من المعدل الإقليمي (31.4) والعالمي (24.3)، وهذا ما يؤكد على الانخفاض في الخصوبة ومعدل النمو السكاني في المجتمع السعودي هذه الفترة المعاصرة، وبالعودة لنظرية تدفق الثروة من الأبناء إلى الآباء يمكن القول أن الإنجاب أصبح مكلفاً للأسرة، خاصة مع التحول من نمط الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية، وانخفاض معدل دخل الفرد، وتنامي القيم الاستهلاكية لدى الصغار والكبار، وتأخر سن الزواج إضافة إلى القيم المستحدثة في المجتمع؛ والتي تدعو إلى ألا يزيد عدد الأطفال عن طفلين أو أربع أطفال، وربما كان الدافع الفطري للإنجاب هذه الفترة هو الأقوى في انجاب الأبناء، إضافة إلى الأمل في بر الأبناء عند تقدم العمر، والذي قد يشكل شيئا من المنفعة التي أشار إليها كادويل في نظريته وإن كان قد ركز على الجانب الاقتصادي وأسماه الخيار الاقتصادي الرشيد والمساهم في انخفاض أو ارتفاع معدل الخصوبة في المجتمع.
المراجع:
- أبو عليه، عبد الفتاح حسن، الجذور الأولى لمشروعات توطين البدو في جزيرة العرب، مجلة الدارة العدد الأول السنة الأولى، 1395هـ. الصفحات من 114-123.
- الخريف، رشود، الخصوبة في المملكة العربية السعودية: مستوياتها وبعض محدداتها الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والمكانية، مجلة الدارة العدد الثاني السنة الثامنة والعشرون، 1423هـ. الصفحات من 9-84.
- إسماعيل، نوال محمد، التغير في المنطقة المركزية لمدينة الرياض “المملكة العربية السعودية، مجلة الدارة العدد الثاني السنة الخامسة، 1400هـ. الصفحات من 6-61.
- المملكة العربية السعودية، وزارة الصحة، إدارة الإحصاء بوزارة الصحة، الكتاب الاحصائي السنوي 1427هـ-2006م.
- المملكة العربية السعودية، وزارة الصحة، إدارة الإحصاء بوزارة الصحة، الكتاب الاحصائي السنوي 1436هـ-2015م.
- المملكة العربية السعودية، الهيئة العامة للإحصاء، https://www.stats.gov.sa/ar، تاريخ الدخول 21/1/1443هــ.
- المملكة العربية السعودية، وزارة المياه والبيئة الزراعية، الكتاب الإحصائي للعام 1441/1442هــ – 2020م.