المتابع لأنشطة الدولة رعاها الله، من خلال أجهزتها ومؤسساتها وهيئاتها، يلاحظ بعين جليه بأن هناك حراك اجتماعي واقتصادي مدروس يهدف إلى تحقيق أعلى معدلات النهضة والتنمية والرفاهية لمن يعيش على أرض المملكة. وذلك ليس بمستغرب في وجود رؤية 2030، تلك الرؤية الطموحة التي تهدف إلى إحداث تغيير مرغوب ومقصود، لا يرضى بغير الأفضل في جميع مناحي الحياة.
ولعل فكرة مراكز الأحياء ، والتي سأتحدث عنها، ليست فكرة جديدة، فلقد طبقتها العديد من الدول حيث أثبتت نجاحات وفاعلية في نمو الأفراد والاسر والمجتمع ككل.
ومركز الحي باختصار، هو مبنى (يفترض وجوده في كل حي من أحياء المدينة)، مجهز بقاعات مختلفة (متعددة الأغراض)، وأدوات وأجهزة، ويقدم خدمات وأنشطة متنوعة في مجالات مختلفة تلبي احتياجات جميع الفئات من سكان الحي، بحيث يقوم أهل الحي أنفسهم على تنظيم وتنفيذ وإدارة تلك الأنشطة والفعاليات.
إن وجود مراكز الأحياء تنطلق من فكرة إمكانية إحداث التغيير الإيجابي والمقصود في
الافراد والأسر والمجتمع، فيما لو تم استيعاب هؤلاء الأفراد والأسر من خلال مكان يتفاعلون فيه لممارسة أنشطة اجتماعية وتثقيفية ورياضية، وصحية، وترفيهية مختلفة. فهو ليس مكان للترفيه فقط، وقضاء الوقت دون فائدة. بل أن مراكز الأحياء في بعض الدول -إضافة إلى الوقاية من الأمراض والسلوكيات المنحرفة- فهي تستخدم لعلاج بعض السلوكيات غير الصحية مثل السيطرة على الغضب، والعنف الأسري، والإدمان.
ومن الأنشطة والخدمات التي يمكن أن تقدمها مراكز الأحياء ما يلي:
إن مراكز الأحياء -إضافة إلى الفوائد السابقة- يمكن أن تحقق أهداف أخرى على مستوى المدينة والدولة ومن أمثلة ذلك:
ئدة. فالمركز لا يجب أن يقدم أنشطة وخدمات جاهزة يستفيد منها السكان، بل إن السكان أنفسهم هم من يخطط وينظم وينفذ ويشرف على تلك الأنشطة والخدمات. حيث يعد ذلك من أسمى الأهداف وأهمها.
إن تلك المنافع العظيمة التي يمكن أن تحققها مراكز الأحياء للأفراد والأسر والمجتمع ككل، لابد أن تتمتع بخاصيتين. الأولى وهو عنصر الجذب Attraction، حيث لابد أن يكون المركز جاذبا لأهالي الحي من حيث تنوع الأنشطة والخدمات، بحيث يجد فيه ساكن الحي مكان يلبي فيه كثير من احتياجاته، بل ويجد متعة في الانضمام إليه، والمشاركة في أنشطته بشكل شبه يومي.
أما الخاصية الثانية، فهي أن يلبي مركز الحي احتياجات جميع الفئات العمرية والنوعية، رجال ونساء، كبار وصغار، شباب وشابات، أطفال وكبار سن. بحيث يجد كل فرد من أفراد الأسرة ما يحقق احتياجه من الأنشطة والخدمات في المركز.
أما عن كيفية إنشاء مركز الحي والإشراف عليه، فهناك عدة طرق وأساليب لذلك. منها أن تقوم الدولة بتوفير المباني وتجهيزاتها الأولية وتسليمها لقيادات الحي الموثوقة لتشغيلها. أو تخصيص أراضي، وتسليمها لقيادات الحي لاستكمالها من خلال التبرعات. أو أن يتم حث مؤسسات وشركات القطاع الخاص على إنشاء مراكز للأحياء كمجال من مجالات المسؤولية الاجتماعية، وتسليمها للأهالي لتشغيلها.
ختاما، إن إنشاء مراكز الأحياء فكرة وتوجه ونموذج لإحداث التنمية الاجتماعية والاقتصادية والصحية. كما أنها أحدى التطبيقات العملية لتحسين جودة الحياة، ورفاهية الأسرة، والارتقاء بالمجتمع والتي ركزت عليها رؤية المملكة الطموحة.
*عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية