*عضو الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية
تخصص الخدمة الاجتماعية ذلك التخصص المأكول المذموم التخصص المهمش، الذي ثكلته أمه قبل أن يكبر ويترعرع ؛التخصص الذي قدرته المجتمعات المتقدمة، وأنشأت الأقسام والمدارس العلمية لتعليمه، ووضعت الاختبارات والمعايير لممارسته،ووافقت على إنشاء الجمعيات والهيئات المهنية لتنظيمه والارتقاء به ؛ في وقت نجد تخصص الخدمة الاجتماعية لدينا أنه ولداًمتشرداً لا أب له ينهره ويوبخه ويتصرف كيف يشاء الغادي والرائح.
ولعل وزارة الصحة تأتي في مقدمة من استفاد من تخصص الخدمة الاجتماعية، ولكن على كيفها ومزاجها دون مراعاة وتقديرلأهمية ومكانة هذا التخصص ؛ فلا زالت وزارة الصحة –إما جهلاً أو عمداً– تتعامل مع تخصص الخدمة الاجتماعيةوالمتخصصين فيه بكبرياء وتهميش كبيرين ؛ فهي لا تحتاج إلى إبراز التخصص إلا عندما تحتاج الاعتماد من سباهي وغيرهامن مؤسسات الاعتماد الطبي، وبعد أن تنتهي وتحصل على الاعتماد الطبي، تطرد هذا التخصص، وتحبسه في المكاتب المظلمة. وللتدليل على ذلك، فإن تخصص الخدمة الاجتماعية –في أحياناً كثيرة– لا يذكر عندما تذكر التخصصات الصحية كما أنالعاملين في أقسام الخدمة الاجتماعية ،هم الأقل حصولاً على البدلات ؛ وهم الأقل تمثيلاً في قيادات الوزارة مع أن عددهميتجاوز الثلاثة آلاف متخصص ؛ كما أن معظم الأطباء يتجاهلون أدوار الأخصائي الاجتماعي، حتى أنهم لا يشركونهم معهم فيالجولات اليومية للمرضى، ولا يأخذون آراءهم المهنية بعين الاعتبار ؛ بل إن بعض الأطباء لا يحيل المريض للأخصائيالاجتماعي إلا في حالة حاجة المريض لمساعدة مادية، وكأن هذا هو الدور المتوقع للأخصائي الاجتماعي!
لا نعتقد أن وزارة الصحة تجهل أن الصحة تعني الوصول بالمريض إلى حالة من الاستقرار الجسدي والنفسي والاجتماعي وأنالأخصائي الاجتماعي جزء لا يتجزأ من العملية العلاجية وأن الأطباء السعوديين عندما يكونون في مستشفيات كندا وأمريكا(للدراسة أو العمل) يتعاملون مع الأخصائي الاجتماعي –بالنظام– كعضو من الفريق العلاجي، ومن أنهم ينسون أو يتناسونذلك عندما يعودون للعمل هنا.
إن الخدمة الاجتماعية يا وزارة الصحة مهنة تفيدكم ولا تعيبكم، فهي تهدف إلى القيام بكل ما من شأنه إنجاح العملية العلاجيةللمريض من الجانب الاجتماعي، فهل يوجد مريض لا يحتاج إلى المساندة والدعم؟ كما أن الأخصائي الاجتماعي –يقوم إلىجانب العلاج الاجتماعي للمريض– بمهمة بالغة الأهمية وهي المساهمة بالوقاية من الأمراض عن طريق التوعية والتثقيفالصحي. فالعملية العلاجية تحتاج لمعالجة اجتماعية ونفسية، بنفس القدر الذي تحتاج فيه لمعالجة جسدية.
ولعل آخر ما توصلت إليه وزارة الصحة فيما يرتبط بمهنة الخدمة الاجتماعية والمنتمين لها، هي قيام إحدى مديريات الصحةبدمج الخدمة الاجتماعية تحت “تجربة المريض” ما هذا التفنن في إذلال المهنة ؟ كيف يجرؤ مدير هذه المديرية على تجاهلتخصص قائم، له علمه، ومهاراته، وأدواته، ويدرس في جامعات المملكة، ويبتعث المنتمون له للدراسة في الخارج، بضم الخدمةالاجتماعية تحت جناح تجربة المريض؟ فهل تجربة المريض تخصص حتى يضم تحتها تخصص آخر؟ إن تجربة المريض جزءبسيط ودور من أدوار الأخصائي الاجتماعي، فكيف يتم ضم الكل للجزء؟
إنها ليست المرة الأولى التي تعبث وزارة الصحة بتخصص الخدمة الاجتماعية. فقد سبق أن تم دمجها مع حقوق المرضى، ومرةثالثة مع علاقات المرضى، ودمجها مع التثقيف الصحي كمرة رابعة وكأن الوزارة تورطت بهذا الطفل المشرد، وترغب التخلص منه،فترميه كيف تشاء.
إننا في الوقت الذي تسعى فيه رؤية 2030 إلى السعي نحو صحة أفضل، وتحقيق معدلات أعلى لجودة الحياة لمن يعيش علىالأراضي السعودية، نجد من يجهل أن الخدمة الاجتماعية الصحية هي ذراع لا غنى عنها لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.