أبان العقد الماضي، طالب العديد من المهتمين والمتخصصين بإنشاء جهة عليا تختص وتهتم وتخطط وتضع استراتيجية شاملة للأسرة السعودية ؛ وهذا ما كان، فقد تم بحمد الله إنشاء مجلس شؤون الأسرة، وتم تعيين سعادة الدكتورة القديرة هلا التويجري أميناً عاماً للمجلس، كما تم تعيين أعضاء مجلس الإدارة من المهتمين والمختصين يرأسهم معالي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. وقد وفق المجلس بقياداته في تحقيق منجزات ومبادرات تصب جميعها في صالح الأسرة السعودية ؛ إلا أن هناك عدد من الملاحظات التي نتوقع من المجلس العمل عليها، والتي نوردها كمقترحات قابلة للأخذ والرد.
أولاً: بعيداً عن التعريفات العلمية، فإن الكثير يتفق بأن الأسرة بتعريفها المبسط هي زوج وزوجة وأبناء يعيشون تحت سقف واحد (أسرة نووية) ؛ أو آباء وأمهات وأبناء متزوجون يعيشون تحت سقف واحد (أسرة ممتدة) ؛ وفي وقتنا الحاضر، ومع التغيرات السريعة، تعددت أشكال الأسرة لنجد أمهات فقط أو آباء فقط يعيشون مع أبنائهم تحت سقف واحد ما يعرف اصطلاح بـ (أسرة الوالد الواحد).
وبهذه التعريفات نجد أن الأسرة مكونة من الذكور والإناث، ومن الكبار والصغار، وقد تتضمن الأسرة ثلاثة أجيال أو أكثر؛ والسؤال هنا، لماذا تم التركيز في المجلس على ثلاث فئات فقط، وأسس لهم المجلس لجان ثلاث، هي المرأة، الطفل، وكبير السن؟ لماذا تم استثناء الشباب الذكور من تركيبة الأسرة؟
ثانياً: وتلك النقطة جاءت نتيجة لغلطة -إن جازت التسمية- تحديد اللجان الثلاث (المرأة، الطفل، المسن ) فتمثيل الأسرة بهذه الفئات جعل من المجلس النظر إلى الأسرة إما قصداً، أو عن غير قصد ، من خلال هذه الفئات ولجانها.
إن الأسرة، ولكي يتم العمل على مطالبها، وتلبية احتياجاتها، يجب أن ينظر إليها من خلال المنظور الكلي للأسرة Holistic Approach، وليس من خلال أجزائها (وليت المجلس غطى جميع الأجزاء) حيث إن العمل من خلال التقسيم لا يحقق الأهداف المبتغاة ؛ فالأسرة ينبغي النظر إليها كنسق متكامل بتركيبتها، بعلاقاتها، بأدوارها، بقيمها وتقاليدها وثقافتها، وإلا فلن تكون أسرة (فالسيارة مثلاً لا يمكن اعتبارها سيارة من خلال مقودها، أو إطاراتها أو محركها فقط).
ثالثاً: السياسات والتخطيط أم التنفيذ؟ عند متابعة نشاطات المجلس ومبادراته تجدها خليط بين التخطيط وبين التنفيذ ؛ وقد جاء ذلك نتيجة للنظرة المجزأة لمكونات الأسرة ؛ فهل المجلس مثلاً يخطط للأسرة ككل متكامل أم للطفل كجزء من الأسرة؟ وهو بذلك سيعمل على مبادرات تنفيذية تهم الطفل، وهي شيء جيد، ولكنه ليس عمل المجلس مالم يكن تخطيطاً استراتيجياً ينظر إلى الطفل من خلال الأسرة ككل ؛ ولعل مبادرة فامكير (والتي سأفرد لها مقال خاصاً بإذن الله) مثال على التنفيذ.
إن مجلس شؤون الأسرة كجهة عليا تعنى بشؤون الأسرة، ينبغي له أن يكتفي بدراسة السياسات الأسرية والتخطيط ووضع الاستراتيجيات، وأن يبتعد عن الدخول في المبادرات التنفيذية، فمثلاً، في مجال الإرشاد الأسري كان ينبغي أن تضع الخطة الاستراتيجية للإرشاد الأسري ومعايير الإرشاد والمرشدين بدلاً من الدخول في الاتفاق مع جهة معينة لتنفيذ الإرشاد ؛ وهذا ما سأتحدث عنه في رابعاً.
رابعاً: تداخل الجهات المعنية بالأسرة. إن المتأمل للأسرة وشؤونها، يجد أن أكثر من جهة في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تدعي وصلاً بليلى ؛ فإضافة إلى مجلس شؤون الأسرة، هناك وكالة التنمية التي تشرف على مراكز التنمية الاجتماعية وكانت تقدم الإرشاد الأسري من خلال مراكز التنمية الاجتماعية واللجان الاجتماعية. وهناك وكالة أخرى لشؤون الأسرة ؛ والسؤال هنا، لماذا هذا التداخل؟ لماذا لا يعطي ما للأسرة لمجلس شؤون الأسرة، خصوصاً ذلك المرتبط بالسياسات والتخطيط الأسري؟ ولماذا، لا يعطى الجانب التنفيذي للوكالات في الوزارة، وهنا لا مانع من تخصيص العمل مع الفئات الأسرية، فتكون مثل وكالة أو إدارة للعمل مع الأطفال، وأخرى لكبار السن، وثالثة للمرأة، ورابعة للشباب، وخامسة لذوي الاحتياجات الخاصة، وهكذا.
خامساً: الدراسات والأبحاث. يلاحظ أن الدراسات التي دعمها أو أشرف عليها المجلس قليلة جداً مقارنة بمكانته ومهامه ؛ فمن خلال الموقع الالكتروني للمجلس، يجد المتصفح 6 دراسات فقط https://fac.gov.sa/studies-and-researches ، منها ثلاث عن المرأة، اثنتان عن كبار السن، وواحدة عن الطفولة.
ويلاحظ أنه لا وجود –للأسف– لدراسات تحدد وتعرف وتنظر إلى الأسرة السعودية ككل متكامل. وهذا ما تمت الإشارة إليه سابقاً من أهمية المدخل الكلي في النظرة للأسرة ؛ فلكي يقوم المجلس بمهامه التخطيطية والاستراتيجية، كان بحاجة إلى دعم دراسات وطنية عن الأسرة في المملكة العربية السعودية، وتركيبتها وتحديد خصائصه الاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية والاستهلاكية، وكذلك معرفة طبيعة العلاقات الأسرية، ودراسة منظومة القيم الاجتماعية ورصد التغيرات التي طرأت عليها ؛ فبمثل هذه الدراسات المسحية يمكن أن يكون التخطيط وصنع القرارات المرتبطة بالأسرة أكثر علمية وواقعية.
سادسا: بالتعاون مع الجامعات، يمكن للمجلس عقد اتفاقيات لدعم وتوجيه أعضاء هيئة التدريس وطلاب وطالبات الدراسات العليا للتركيز على الأسرة في جوانبها المختلفة. كما يمكن للمجلس أيضا الاتفاق مع بعض الجامعات لإنشاء مجلة علمية محكمة تعنى بشؤون الأسرة.
ختاما، ما سبق ذكره من ملاحظات، لا تقلل من شأن المجلس وما يقوم به من مهام عظيمة في سبيل نمو وتطور واستقرار وأمان الأسرة تحت ظل قيادتنا الرشيدة، وانما هي مقترحات وملاحظات كما ذكرت قابلة للأخذ والرد.
* عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية