أثار قبل أيام، تقرير الشباب بالأرقام والذي نشرته الهيئة العامة للإحصاء الجدل والنقاش في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ؛ حيث جاءت نتائج الإحصائيات والنسب التي وردت في التقرير عن “الشباب” (مثل نسب المتزوجين، ونسب البطالة، ونسب القوة العاملة) سبباً في تلك الإثارة والنقاشات والتساؤلات.
وعلى الرغم من الجهود المشكورة للهيئة العامة للإحصاء في تقديم الإحصائيات والحقائق للناس، وللباحثين، والأهم لصناع القرار، إلا أن “تقرير الشباب بالأرقام” حفل بالعديد من الملاحظات التي كان من الواجب الانتباه لها، والتي نورد بعض منها فيما يلي:
أولاً: جاءت الإحصائيات لتمثل الشباب، فهل هي فعلاً ممثلة لفئة الشباب؟ ومن هم الشباب إبتداءً ، في نظر الهيئة؟ فعندما تحدثت الهيئة عن الشباب حصرتهم في الفئة العمرية من 15-34 سنة ولا نعرف على أي أساس تم تبني هذه الفئة لتمثل الشباب ؛ فلا هي تبنت التعريف الخاص بهيئة الأمم المتحدة أو تعريف منظمة العمل الدولية أو تعريف اليونيسف لمرحلة الشباب العمرية (والمحددة بـ 15- 24 سنة)، ولاهي تبنت تعريف صندوق الأمم المتحدة للسكان (المحدد بـ 10 – 24 سنة)، كما أنها لم تتبن التعريف الخاص بمنظمة الكومنولث (المحدد بـ 15-29) ؛ وأيا كان التعريف كان الأجدر أن تقوم الهيئة بتوضيح المقصود بالشباب وتحديد فئته العمرية ومسبات هذا التحديد.
فإذا تم حصر الشباب في الفئة العمرية من 15 –34 (حسب تحديد الهيئة)، ولو اعتبرنا -تجاوزاً- أن من هم أقل من الثامنة عشرة شباباً، فماذا نطلق على من هم في الخامسة والثلاثين إلى الأربعين، وماذا نسمي من هم أقل من الستين؟
ثانياً: إن تعريف مرحلة الشباب أمر مختلف فيه بين المنظمات الدولية، وبين الدول، وبين المتخصصين، فبينما يعرفه البعض بيولوجيا، يعرفه البعض نفسياً، وآخرون يعرفونه اجتماعياً، وثقافياً ولذا، فالتعريف -مهما كان- يرتبط بالغرض منه، وأهدافه، والمتغيرات المرتبطة به. وفي تقرير الهيئة العامة للإحصاء جاء التقرير بمناسبة احتفال منظمة الأمم المتحدة باليوم العالمي للشباب، ولكن الهيئة لم تلتزم بتعريف الأمم المتحدة للشباب -كما ذكرنا- (15- 24 سنة) رغم تحفظنا عليه، كما لم تلتزم بربط الإحصائيات بالمتغيرات الستة عشر التي أوردتها منظمة الأمم المتحدة وهي (التعليم، البنات والنساء الصغيرات، عدالة الأحداث، الصحة، الصراع المسلح، الجوع والفقر، التوظيف، البيئة والتغير المناخي، الإيدز، ريادة الأعمال والمال، الترفيه، علاقة الأجيال، المشاركة المدنية والشعبية، العولمة والهجرة، تقنية المعلومات والاتصالات، وإساءة استخدام المخدرات) ؛ وللهيئة الحق في إغفال أوعدم دراسة بعض المتغيرات الواردة في هيئة الأمم المتحدة، ولكن ليس لها الحق في إدخال الحالة الاجتماعية، وعوامل تأخر الزواج كمتغير في المرحلة العمرية التي حددتها الهيئة (15- 34 سنة) ولعل هذا المتغير هو ما أثار وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وهذا ما سنأتي عليه في ثالثاً.
ثالثاً: الجميع يعرف أن سن الزواج في مجتمعنا غالباً يكون بعد الثامنة عشرة بل إن توصية صدرت من مجلس الشورى -وتمت المصادقة عليها- تمنع زواج من هم أقل من الخامسة عشرة، وإلزامية وجود إذن قضائي لعقد زواج من هم دون الثامنة عشرة.
وعلى الرغم من أن سن الزواج المتعارف عليه لا يقل عن سن الثامنة عشرة، إلا أن هيئة الإحصاء أقحمت الفئة العمرية من 15- 18 سنة (وهم يشكلون 24% تقريباً من حجم مجتمع الدراسة) في الحالة الزواجية. كيف نفترض من طفل في الإعدادية أو الثانوية أن يكون متزوجاً هذا لا يعني عدم وجود حالات زواجية، ولكنها نادرة جداً، ولا يمكن أن تدخل كمتغير في إحصائية سوف تعرض لمجموعة العشرين.
إن ما قامت به الهيئة من إدراج للفئة من 15-18 في الحالة الزواجية، تسبب في رفع نسبة غير المتزوجين إلى 66.23%. هذه المعلومة المظللة أدت بوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي إلى تلقف الإحصائية والتعليق عليها بكثير من الاستغراب ؛ فلم يكن من الصواب إدراج فئة لا يُتوقع منها الزواج في هذا السن أن يتم تضمينها في موضوع الحالة الزواجية.
بل إن الأدهى من ذلك، هو أن الهيئة العامة للإحصاء، ذهبت لتسأل المبحوثين عن أسباب تأخرهم عن الزواج ؛فهل يعقل أن يتم سؤال من هو في المتوسطة أو الثانوية لماذا تأخر عن الزواج؟ وهل ستكون الإجابات التي ذكرها عن سبب تأخره في الزواج حقيقية وواقعية بحيث يمكن أن يعول عليها في التوصيات وصنع القرارات. ومرة أخرى نجد أن الإجابات (المرتبطة بعوامل التأخر عن الزواج) مظللة لأن العينة غير ممثلة للمتأخرين عن الزواج؛ وهنا حق لنا أن نسأل على ماذا اعتمدت الهيئة في تحديد السن المتأخرة زواجياً؟ وهل يمكن اعتبار حتى العزاب ممن هم أقل من الثلاثين عاماً متأخرون عن الزواج؟ هل تم استشارة المتخصصين الاجتماعيين في ذلك؟
رابعاً: لن نناقش بعض المتغيرات الأخرى والتي وردت إحصاءاتها في التقرير، مع أنها محل للتساؤلات مثل معدل الخصوبة، وقوة العمل، والبحث عن عمل، والبطالة، والمشاريع الخاصة، وعدم تناسبها للقياس والدراسة للفئة التي ذكرتها الهيئة ؛ ولكننا نتساءل هل البينات والإحصاءات التي قدمتها الهيئة في تقرير الشباب فعلاً تمثل فئة الشباب؟
أخيراً، نتمنى من الهيئة العامة للإحصاء الاستعانة بالمتخصصين -حسب المجالات التي يتم دراستها وكتابة تقرير عنها- سواء طبية، أو اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية أو هندسية أو عدلية الخ ؛ لأن الأرقام والإحصائيات عمياء، ونورها المتخصصون.